نعم إنه الوسواس القهري

نعم .. إنه الوسواس القهري

إن الوسواس القهري يقصد به الوساوس والأفكار والمشاعر التي تتكرر وتدفع إلي القسر لافعال او افكار متكررة رغم شعور الشخص بأنها لاجدوي منها لكنه يجدها الوسيلة الوحيدة لتخفيف القلق. يحدث إضطراب الوسواس القهري في صورة اعمال وسواسية مثل النظافة والإغتسال والعد وغير ذلك من الطقوس وأفكار وسواسية في قضايا وأمور لا قيمة لها أو مخاوف وسواسية. يتميز أضطراب الشخصية الوسواسية بالحرص علي الدقة والنظام بصورة مبالغ فيها وهو أحد أنواع إضطراب الشخصية.

في الحقيقة المصاب بالوسواس القهري يتمنى لو أنه يتخلص من الأفكار الشنيعة أو الأفعال المتكررة، ولكنه لا يقدر لشدة قلقه بسبب تلك الأفكار، والسبب يرجع في ذلك أن الوسواس القهري هو مرض حقيقي نفسي ويرتبط إرتباط مباشر بإختلال كيميائي في المخ، وتقول الدراسات أن المرض قد ينشأ في الشخص وراثيا، أو يتخذ مراحل مختلفة منذ الصغر حتى يظهر في مرحلة عمرية بصورتة الكاملة.

ان إحدى مشاكل هذا المرض هو عدم المعرفة الصحيحة به أو ملامحه الواضحة، فالتشخيص الصحيح للمرض هو أول العلاج. الكثير من المرضى بالوسواس القهري لا يعرفون أنهم مصابين بمرض اختلال في الكيمياء بالمخ، فيتصور بعضهم أنهم إما أن الجن أو الشياطين يقومون بالتشويش على أفكارهم أو أنهم ضعيفوا الشخصية أو أن الله غاضب عليهم، والمشكلة أن هذا التصور للمرض لا يؤدي إلى العلاج بل ربما إلى زيادة حدة المشكلة.

المشكلة الأخرى هي أن المريض قد يحرج من أن يخبر أحدا بمرضه خوفا من أن يعتقد الناس أنه مجنون أو غريب أو ما شابه، وقد يكون السبب في ذلك أنه يعتقد أنه من العيب أن يفكر بهذه الطريقة فكيف إذن يخبر الغير بذلك. أضف إلى ذلك أن البعض قد يتصور أن هذا المرض ليس مرضا، بل قد يعتقد أن ما يقوم به إنما هو صحيح، خصوصا في بعض الوساوس التي تختص بالعادات القهرية، فمثلا الذي يقوم بتكرار الوضوء لاعتقاده بأنه أخطأ أو لأنه يريد أن يتقنه فيكرر ويكرر ويكرر ليس إعتقاداً منه بأنه مريض، بل لإعتقاده أن ما يقوم به صحيح، لذلك فهو لا يقوم بالعلاج لأنه يعتقد أنه لا يحتاج إليه. اذا شعر المريض ان ما يمر به من أعراض تمثل مرضاً ما يعاني منه فانه يحاول جاهدا اخفاءه عمن حولة نظرا لخجلة من الاعراض او الافكار التسلطية التي تفرض نفسها علي عقلة، أو حتى لا يتهمة احد بالجنون والكفر او استسلامة للشيطان.     

مريض إضطراب الوسواس القهري عادة ما يعاني من أفكارٍ تسلطية ومن أفعال قهرية فمثلاً هناك من تشعر رغم نظافة يديها أن يدها غير نظيفة فتقوم بغسلها، ولا تكتفي بالغسيل مرة ولا مرتين بل تحتاج إلى عشرين مرة، وما دامت قررت غسلها عشرين مرة فإن العدد يجب أن يكونَ مظبوطاً وعادة ما تشك بينما هى تغسل في عدد المرات، فتعيد الغسيل من البداية عشرين مرة أخرى، فإذا ما انتهت من ذلك عاودها القلق والشك هل كان الغسيل كافيا أم لا؟ وهكذا تسقط في دوامة من الفعل وتكرار الفعل الذي لا يعطيها إلا راحةً زائفة وقصيرة الأمد، وفكرة عدم نظافة يديها هى فكرة تسلطيةٌ، وكذلك شكها في عدد مرات الغسيل فكرة تسلطيةٌ، بينما فعل الغسيل نفسه هو فعل قهري، وبعيداً عن النظافة والغسيل فهناك من تبدو أفكاره التسلطية غريبة بحق فمثلاً هناك من يشك بعد مغادرته مكاناً ما أن يده قد سقطت منه في ذلك المكان، وهو يعرف أن يده موجوده بل يراها بعينيه! لكنه رغم ذلك لا يستطيع منع نفسه من العودة للمكان الذي كان فيه ليتحقق من أن يده لم تسقط منه! ففكرة أن يد الواحد سقطت منه فكره لا معنى لها وكلنا يستطيع طرد مثل هذه الأفكار من رأسه إذا صادفته في يوم من الأيام لكن مريض الوسواس القهري لا يستطيع ذلك وهي لذلك فكره تسلطية، بل هو لا يستطيع منع نفسه من التصرف على أساس الفكرة التسلطية نفسها التي يعرف هو أنها بلا معنى وغير ممكنة الحدوث، لكنه يضطر إلى التحقق من أن الفكرة غير صحيحة من خلال أدائه للفعل القهري وهو الرجوع للمكان الذي كان فيه ليرى بنفسه ويتأكد ويتحقق من أن يده الموجودة أصلا في نهاية ذراعه لم تسقط منه.

عادة ما يسقطُ المريض في شراك هذا الإضطراب منذُ طفولته أو مراهقته، ويتساوى الرجال والنساء في نسبة الإصابة به وإن كانَ يبدأ مبكراً في العمر في الرجال عنه في النساء، وعادة ما تظل معاناة المريض سراً يكتمه عن الناس لأنه يخاف أن يتهمه الناس بالجنون وسبب ذلك أن الأفكار التسلطية والأفعال القهرية غالباً ما تبدو لا منطقية ولا معقولةً ومزعجةً ومتعارضةً مع قيم المريض نفسه. قد تكون الافكار التي تسيطر علي عقل المريض إيجابية ومستحبة كأن يقوم بغسل يدية عند العودة إلى المنزل أو قبل الأكل، ولكن المشكلة في الفعل، بمعني انه قد يستهلك ثلاث قطع من الصابون ويظل يغسل يدية لمدة تزيد علي الساعتين، ثم يشك في أن يديه نظيفة فيعاود تنظيف يدية مرة أخرى!

حتى نفرق بين وسوسة الشيطان الرجيم وبين الوسواس القهري، فقد يتصور البعض أنهما شيء واحد، وهذا غير صحيح بالمرة، فما نطلق عليه وسوسة الشيطان هي التي تدفعنا لعمل شيء ما مقترن بتحقيق “المتعة” كأن يوسوس الشيطان لإنسان أن يسرق هذه القطعة من الحلوي، أو ينظر إلى هذه المرأة او يتحرش بها، أو يقوم بسرقة هذا المال، جميعها أفعال تحقق متعة ما للانسان، بينما الوسواس القهري هو القيام بفعل ما أو تسرب افكار ما وسيطرتها علي عقل المريض وتلح عليه بشكل تسبب له نوعا من القهر والقلق الشديد، ولا يستعيد توزانة نوعا ما إلا إذا قام بها مثل غسل الأيدي أو مراجعة محاضرته لفترات طويلة ولعدد لايحصي من المرات.!!

مرض الوسواس القهري لا يمكن شفاءه دون علاج سواء علاج دوائي أو معرفي سلوكي، فكلما إستسلم الشخص للأفكار المتسلطة، أو للافعال القهرية، والإضطرارات كلما ازدادت حدتها، وقد تتنقل من فكرة الي أخرى، بمعني من الممكن ان تبدأ بفكرة المحافظة علي النظافة والنظام، ثم تنتقل لفكرة أخرى مثل الشك من العدوي بالأمراض المختلفة، أو فكرة فقدان العذرية أو حدوث الحمل لدي الإناث، بمعني كلما تركت للوقت والزمان إنتقل الوسواس من فكرة إلى أخرى.

2020-03-10T14:45:25+00:00